اقتصاد الإبادة في غزة- تواطؤ مؤسسي، نزع إنسانية، وتمكين دولي

يشغل الفكر الإنساني المعاصر سؤالان محوريان: أولهما، وهو عنوان هذا المقال، والثاني، الذي تجاهلناه نحن العرب والمسلمين، يدور حول أسباب إخفاقنا في وقف حرب الإبادة الشاملة التي قاربت على الانتهاء بعد تجاوزها 600 يوم؟ بينما تمضي حياتنا بوتيرة اعتيادية، يتصاعد أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ بشكل يومي.
في معرض الإجابة عن السؤال الأول، بدأت حركة التأليف الغربية في الازدهار، وبرزت تفسيرات مبدئية، والتي من المتوقع أن تتزايد في المستقبل القريب، خاصة بعد الكشف عما تخبئه أرض الإبادة من وقائع جلية، حين تُتاح الفرصة للصحفيين والباحثين والعاملين في منظمات المجتمع المدني لزيارتها.
أعتقد أن هذا الجهد سيُكمل ما كُتب من أدبيات بالغة الأهمية حول فهم وتفسير الهولوكوست. أما في عالمنا العربي، فمن الضروري أن تتبنى مؤسسات أكاديمية وبحثية هذا الجهد، وألا يُترك رهينًا للمبادرات الفردية المتقطعة.
إن فاجعة غزة لن تكون الأخيرة، فقد سبقتها إبادات وشهدنا بالتزامن معها أخرى – كما يحدث في السودان حاليًا – وسيتبعها المزيد، لأن العوامل والأسباب البنيوية التي تُفضي إلى مثل هذه الممارسات ما زالت قائمة، بل وتفاقمت مع هيمنة الرأسمالية وتغولها، ولم يتم التعامل معها على الرغم مما يبدو من تقدّم للإنسانية، وما أنتجته من قوانين دولية إنسانية ومنظمات عالمية.
تُمثل الإبادة الجماعية في غزة وجهًا معقدًا متعدد الأبعاد، يغذيه مشروع استعماري استيطاني متجذر، ومصالح الشركات الكبرى؛ إذ تحوّل المشروع الاستيطاني الاستعماري إلى اقتصاد إبادة جماعية، مُدعم بتمكين دولي ممنهج، ومساند بإزالة الطابع الإنساني عن الفلسطينيين، والتحكم في الرواية وتوجيه اللغة.
التواطُؤ المؤسسي والربح كقوة دافعة
يشير تقرير المقررة الخاصة المعنية بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، إلى كيفية تحول الإبادة الجماعية إلى مشروع مُدرّ للأرباح الطائلة للشركات التجارية العملاقة.
طورت المقررة الخاصة قاعدة بيانات ضخمة تضم ما يقارب 1000 كيان مؤسسي، جُمِعت هذه القاعدة انطلاقًا من أكثر من 200 مشاركة تم تلقيها، وساهمت في رسم صورة واضحة لكيفية تورط الكيانات التجارية حول العالم في انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن دواعي السخرية والغرابة أنه بالتزامن مع نشر هذا المقال، أعلنت الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على المقررة الأممية بتهمة سعيها لإدانة مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أمريكيين وإسرائيليين.
يحمل التقرير عنوان: "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية"، وقُدِّم إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته التاسعة والخمسين، التي انعقدت في الفترة من 16 يونيو/ حزيران إلى 11 يوليو/ تموز 2025. جرى توزيع النسخة المنقحة في 30 يونيو/ حزيران 2025.
لقد كانت المساعي الاستعمارية والإبادة الجماعية المرتبطة بها مدفوعة ومُمكنة تاريخيًا من قبل قطاع الشركات، وهو نمط من الهيمنة يُعرف بـ"الرأسمالية العنصرية الاستعمارية".
ويذكر التقرير أن الأمر نفسه يصدق على الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومأسسته لنظام الفصل العنصري الاستيطاني الاستعماري.
ويسلط الضوء على أن الكيانات التجارية تضطلع بدور رئيسي في دعم الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وحملة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، مما يعزز منطقًا مزدوجًا من الإبعاد والاستبدال، يهدف إلى تجريد الفلسطينيين من أراضيهم ومحوهم.
بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تحوّلت أنظمة السيطرة والاستغلال والسلب القائمة منذ أمد بعيد إلى "بُنى تحتية اقتصادية وتكنولوجية وسياسية تم حشدها لإحداث عنف جماعي وتدمير شامل".
الشركات التي كانت تستفيد في السابق من "القضاء على الفلسطينيين ومحوهم داخل اقتصاد الاحتلال" أصبحت الآن متورطة في "اقتصاد الإبادة الجماعية". ويخلص التقرير إلى أن الإبادة الجماعية مستمرة "لأنها مُربحة للعديد من الأطراف".
استفادت العديد من الكيانات التجارية من الاقتصاد الإسرائيلي القائم على الاحتلال غير الشرعي والفصل العنصري والإبادة الجماعية. يُوصف هذا التواطؤ الآن بأنه "مجرد قمة جبل الجليد".
يشتمل التقرير على تفاصيل القطاعات المختلفة المشاركة. الجدير بالملاحظة أن هذه القطاعات تتكامل فيما بينها، كما أنها تساعدنا في فهم الرأسمالية في نسختها المعاصرة، التي هي رأسمالية تكنولوجية/ معلوماتية متجذرة في الرأسمالية المالية.
طوّرت شركات تصنيع الأسلحة الإسرائيلية والدولية أنظمة فعالة بشكل متزايد لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، حيث أصبحت الأراضي الفلسطينية المحتلة بمثابة حقل اختبار للقدرات العسكرية "المُثبتة في المعارك".
يُوصف المجمع الصناعي العسكري بأنه "العمود الفقري الاقتصادي للدولة". شركات مثل Elbit Systems وIsrael Aerospace Industries هي شركات تصنيع أسلحة إسرائيلية كبرى، في حين يقدم الشركاء الدوليون مثل شركة لوكهيد مارتن أسلحة حيوية، مثل طائرات "إف-35" المقاتلة، التي كانت "جزءًا لا يتجزأ من تزويد إسرائيل بالقوة الجوية غير المسبوقة لإسقاط ما يُقدَّر بنحو 85 ألف طن من القنابل" على غزة.
لقد كانت الإبادة الجماعية المستمرة "مشروعًا مُربحًا" لهذه الشركات، بعد الزيادة الهائلة التي بلغت نسبتها 65٪ في الإنفاق العسكري الإسرائيلي من عام 2023 إلى عام 2024.
أما شركات التكنولوجيا، فتوفر البنية التحتية "ذات الاستخدام المزدوج" لجمع البيانات الجماعية والمراقبة، مستفيدة من أرض الاختبار الفريدة التي توفرها الأراضي الفلسطينية المحتلة.
توفر شركات مثل IBM وHewlett Packard (HP) وMicrosoft وAlphabet (Google) وAmazon.com وPalantir Technologies Inc. تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي الأساسية للجيش والحكومة الإسرائيلية، مما يعزز معالجة البيانات واتخاذ القرار والمراقبة.
تعليق الرئيس التنفيذي لشركة بالانتير: "معظمهم إرهابيون، هذا صحيح"، بشأن الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة، يشير إلى "معرفة وهدف على مستوى الإدارة التنفيذية فيما يتعلق بالاستخدام غير القانوني للقوة من قبل إسرائيل".
وجد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024 أن الوجود الإسرائيلي المطوّل في الأرض الفلسطينية المحتلة ونظامها الاستعماري "غير قانوني" في مجمله، استنادًا إلى انتهاكات الحق في تقرير المصير، وحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
هذا يضع "مسؤولية أولية على الكيانات المؤسسية بعدم الانخراط و/أو الانسحاب كليًا ودون قيد أو شرط من أي تعامل مع أي عنصر من عناصر الانتهاكات".
تشير التدابير المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية، وأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، إلى وجود خطر جدي يهدد الكيانات التجارية ومديريها التنفيذيين بالتورط في جرائم دولية، بما في ذلك الإبادة الجماعية.
عززت الإبادة الجماعية سردية أن إسرائيل "دولة الشركات الناشئة"، التي نمت بنسبة 143٪ في مجال التكنولوجيا العسكرية بحلول عام 2024.
قامت شركات مثل كاتربيلر، وHD Hyundai، ومجموعة فولفو، بتوريد المعدات المستخدمة منذ عقود في هدم المنازل والبنية التحتية الفلسطينية.
بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تم "إعادة استخدام هذه الآلية لمحو المشهد الحضري في غزة"، مما جعل المناطق غير صالحة للسكن ومنع العودة. استمرت هذه الشركات في التوريد على الرغم من "وجود أدلة دامغة على الاستخدام الإجرامي" لآلاتها.
تم تفعيل سيطرة إسرائيل المنهجية على الموارد الطبيعية والبنية التحتية الفلسطينية، بما في ذلك المياه والكهرباء والغاز والوقود، لأغراض الإبادة الجماعية، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 من خلال "حصار شامل" على غزة.
شركة ميكوروت، وهي شركة المياه الوطنية الإسرائيلية، كانت تشغل أنابيب غزة بنسبة 22٪ فقط من طاقتها، "مما ساعد بشكل فعال في تحويل المياه إلى أداة للإبادة الجماعية" – كما نص تقرير الأمم المتحدة.
شركات الطاقة العالمية مثل دروموند، وغلينكور، وشيفرون، وبي بي، تُزوّد البنية التحتية العسكرية والمدنية الإسرائيلية التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة، تُستخدم لترسيخ الضم، وكـ"سلاح في تدمير حياة الفلسطينيين في غزة".
وفي مجال الأعمال الزراعية والتجزئة؛ ازدهرت شركات مثل تنوفا (مجموعة شركات الأغذية) ونتافيم (تكنولوجيا الري) بفضل الاستخراج والاستيلاء على الأراضي بقيادة إسرائيل، من خلال الحصول على الموارد من المستوطنات وتمكينها, في حين تسببت في انعدام الأمن الغذائي والمجاعة للفلسطينيين.
تقوم شركات الخدمات اللوجيستية العالمية مثل AP Moller – Maersk A/S بشحن البضائع من المستعمرات، مع إخفاء مصدرها. تعمل سلاسل المتاجر الكبرى ومنصات التجارة الإلكترونية مثل Amazon.com في المستوطنات، مما يدعم اقتصادها.
تدعم منصات السفر عبر الإنترنت مثل Booking Holdings Inc. وAirbnb, Inc. السياحة الاحتلالية، حيث تُدرج هذه المنصات عقارات في المستوطنات الإسرائيلية، "مما يدعم المستوطنات، ويستبعد الفلسطينيين، ويعزز روايات المستوطنين، ويشرعن الضم". هم متهمون بـ"غسل أرباح" من "جرائم الحرب" الإسرائيلية.
وأخيرًا وليس آخرًا؛ يقوم القطاع المالي، بما في ذلك البنوك (على سبيل المثال: بي إن بي باريبا، وباركليز)، وشركات إدارة الأصول (مثل: بلاك روك، وفانغارد، وبيمكو)، وشركات التأمين العالمية (مثل: أليانز، وأكسا)، بتوجيه مليارات الدولارات إلى سندات الخزانة الإسرائيلية والشركات المتورطة في الاحتلال والإبادة الجماعية.
وهذا يشمل صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد. كما تعمل الجمعيات الخيرية القائمة على الإيمان كـ"مُمكنات مالية رئيسية للمشاريع غير القانونية".
نزع الصفة الإنسانية والتحكم في السرد
يرى ديدييه فاسين – وهو عالم أنثروبولوجيا وعالم اجتماع وطبيب فرنسي مرموق – في كتابه الذي صدر نهاية العام الماضي عن التنصّل الأخلاقي في غزة، أن الحرب في غزة تتّسم بـ"التنازل الأخلاقي" و"الموافقة على محو غزة". هذه الموافقة سلبية (تسهيل من خلال عدم المعارضة)، وإيجابية (دعم من خلال القبول).
ولتحقيق هذه الغاية؛ تم التحكم في السرد بهدف تمكين "اقتصاد الاحتلال" من التحول إلى "اقتصاد الإبادة الجماعية" من خلال التلاعب باللغة، وإنكار السياق التاريخي، والتحيز الإعلامي، وقمع الأصوات المعارضة بشكل منهجي.
هكذا تم التحكم في السرد عبر قلب اللغة وتطويعها. فقد أُدينت المطالبات بوقف إطلاق النار الفوري بهدف وضع حد لمذبحة الأطفال بوصفها أعمالًا "معادية للسامية".
إن انتقاد الحكومة الإسرائيلية، وخاصة تلك التي يوجهها وزراء من اليمين المتطرف، يُعتبر بمثابة تحريض على الكراهية، لا سيما إذا أشار إلى الإبادة الجماعية.
كانت هناك محاولة لإحداث "موت للغة" من خلال فرض مفردات وقواعد نحوية مُحددة للحقائق، وتحديد ما هو مسموح بقوله، وإدانة ما هو محظور، تحت طائلة التشهير العلني أو الإقصاء أو الملاحقة القانونية.
لقد أُسيء استخدام الكلمات وعُكِسَت القيم؛ فعلى سبيل المثال، يُطلق على الجيش الذي يُجرِّد أعداءه من إنسانيتهم اسم "الأخلاقي"، ويُطلق على مشروع الإبادة اسم "الرد"، وتُوصَف العملية العسكرية التي تُنفَّذ علنًا ضد المدنيين الفلسطينيين بأنها "حرب إسرائيل وحماس".
وبحسب ما تسرّب من غرف التحرير في بعض وسائل الإعلام، فقد صدرت تعليمات لوسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة بتقييد استخدام كلمات مثل "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي"، وتجنّب الحديث عن "مخيمات اللاجئين" و"الأراضي المحتلة"، وذُكر اسم "فلسطين" بأقل قدر ممكن.
يُطبَّق مصطلح "الإرهاب" بشكل حصري تقريبًا على الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تهاجم دولة، في حين تُعاد تسمية العمليات التي تقوم بها الدولة لإرهاب السكان بـ"مكافحة الإرهاب"، على الرغم من أنها غالبًا ما تتسبب في المزيد من الضحايا.
ومن الإستراتيجيات المستخدمة: إنكار التاريخ وتحريفه. تبدأ الرواية في كثير من الأحيان بتسلسل الأحداث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، متجاهلة التاريخ الطويل للاحتلال الإسرائيلي والقمع الذي سبقه.
إن استحضار السياق التاريخي يُعتبر "مشبوهًا ومستهجنًا"، لأنه يبدو وكأنه يقدم مبررًا لأفعال حماس، وبالتالي يسمح للعنف بالظهور على أنه "وحشية خالصة"، ويُهين الفلسطينيين، ويُمكّن منطق الانتقام ضد جميع الفلسطينيين.
كما تسمح هذه النظرة غير التاريخية للدولة الإسرائيلية بالإفلات من أية مسؤولية عن نشوء الأحداث، سواء كان ذلك بسبب عقود من القمع أو الإستراتيجيات المستخدمة لدعم حماس.
وقد أكد سياسيون إسرائيليون أنه "لا يوجد شيء اسمه تاريخ فلسطيني أو ثقافة فلسطينية"، بل "لا يوجد حتى شعب فلسطيني".
يقول الطبيب الفرنسي: "إن الاعتراف التاريخي بتشريد الفلسطينيين من قِبل شخصيات مثل الجنرال موشيه ديان في عام 1956 مرفوض الآن من قِبل الحكومة الإسرائيلية ومؤيديها الأجانب".
لقد اتُّهمت معظم وسائل الإعلام الغربية السائدة بإعادة إنتاج رواية الأحداث التي نقلها "معسكر المحتلين" الإسرائيلي بشكل شبه تلقائي، في حين "تُثار الشكوك باستمرار حول ما يرويه المحتَلّون".
لقد كان هناك "تعاطف انتقائي"، حيث تم إضفاء طابع إنساني على الضحايا الإسرائيليين وسرد مخاوفهم ومعاناتهم بالتفصيل، في حين تم التقليل من معاناة المدنيين الفلسطينيين وجوعهم وموتهم أو تجاهلها تمامًا.
غالبًا ما تضيف وسائل الإعلام عبارة "وفقًا لوزارة الصحة في غزة" أو "وزارة الصحة التي تديرها حماس" عند الإبلاغ عن إحصائيات الوفيات الفلسطينية، مما يوحي بعدم المصداقية، في حين لا يُستخدم أي مؤهل مماثل للبيانات الصادرة عن السلطات الإسرائيلية.
ويُعتبر هذا التشكيك في الإحصاءات أمرًا مُستهجنًا، حيث كانت البيانات الفلسطينية موثوقة تاريخيًا، ومن المرجح أن يكون عدد الوفيات الفعلي في غزة أعلى من التقديرات؛ نظرًا لعدم إحصاء الجثث المدفونة تحت الأنقاض بالإضافة للوفيات غير المباشرة الناجمة عن نقص الموارد.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تعترض إعداد التقارير، مثل قتل الصحفيين الفلسطينيين والقيود المفروضة على الصحفيين الأجانب، فقد تعرضت التقارير والصور الواردة من غزة للقمع من خلال قرارات تحريرية في وسائل الإعلام الرئيسية، وظهرت بدلًا من ذلك على وسائل الإعلام الاجتماعية والبديلة.
قمع المعارضة والحرية الأكاديمية
تم حظر المظاهرات والاجتماعات التي تطالب بتحقيق السلام العادل، وتمت معاقبة الأفراد الذين يشيرون إلى تاريخ المنطقة.
فرضت أجهزة الدولة والمؤسسات العلمية والجامعية الصمت على الأصوات التي تنادي بتطبيق القانون الإنساني الدولي، بينما أطلقت العنان لمن يخالفه.
إن انتقاد السياسة الإسرائيلية أو حتى الصهيونية يُربَط بمعاداة السامية، مما يؤدي إلى فرض عقوبات ومنع المناقشات. تشمل الأمثلة إلغاء المؤتمرات والمعارض، وخسارة الأكاديميين لعقودهم أو رفض السماح لهم بدخول البلدان.
تشير استطلاعات الرأي بين الخبراء في شؤون الشرق الأوسط إلى انتشار الرقابة الذاتية على نطاق واسع بسبب ضغوط جماعات الضغط، وخشية العقوبات التأديبية، والتي تفاقمت بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
تم إلغاء تسجيل الطلاب، وحُرِم الأساتذة من التدريس، وأُجبِر رؤساء الجامعات على الاستقالة؛ بسبب ضغوط من المنظمات المؤيدة لإسرائيل، والسياسيين المحافظين، والمانحين الأثرياء.
وقد تم الإبلاغ عن حوادث اعتداء جسدي على المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، بمن فيهم الطلاب اليهود، وفي بعض الأحيان كانت الشرطة تراقب الضحايا بشكل سلبي أو تعتقلهم في وقت لاحق.
وفي الحرم الجامعي، حاولت السلطات ووسائل الإعلام تشويه سمعة المتظاهرين المعارضين للحرب من خلال اتهامهم بلا أساس بمعاداة السامية والعنف.
الجامعات، باعتبارها "مراكز للنمو الفكري والقوة"، حافظت على الإيديولوجية السياسية التي تدعم استعمار الأراضي الفلسطينية، وطورت الأسلحة، وتغاضت عن العنف المنهجي أو أيدته، وأخفت المحو الفلسطيني خلف "ستار الحياد الأكاديمي".
تتعاون بعض الجامعات الرائدة مع مؤسسات إسرائيلية متورطة في نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية، بما في ذلك في مجال أبحاث الأسلحة والمراقبة.
إن هذه السيطرة المتواطئة على الرواية تساهم في إضفاء الشرعية على العملية العسكرية ضد الفلسطينيين، وإسقاط أي انتقاد لها، مما يسمح بأفعال يمكن أن تشكّل، وفقًا للمقررة الخاصة، جرائم دولية، بما في ذلك الإبادة الجماعية.
التمكين السياسي والمالي الدولي
قدمت الحكومات الغربية "دعمًا غير مشروط تقريبًا" لإسرائيل، بما في ذلك إرسال "كميات هائلة من الأسلحة والقنابل والطائرات"، حتى بعد أن أقرت محكمة العدل الدولية بـ"وجود خطر حقيقي للإبادة الجماعية".
إن المساعدات العسكرية الأمريكية الضخمة لإسرائيل، والتي تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، تفيد في المقام الأول المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وتسمح باختبار المعدات العسكرية في مواقف قتالية حقيقية.
إن وراء هذا الدعم دوافع معقدة، بما في ذلك رغبة الدول الأوروبية في "تطهير نفسها من الشعور بالذنب الذي خلفته المحرقة"، وهذا يشمل أيضًا المخاطر الجيوسياسية، والمصالح الاقتصادية، والعداء الأيديولوجي تجاه المسلمين، والعنصرية ضد السكان العرب، والتي اشتدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. وهذا يسمح بـ"التكفير بالوكالة" – على حد تعبير ديدييه فاسين – حتى لو كان ذلك يعني "نكبة ثانية" للفلسطينيين.
باختصار، الإبادة الجماعية في غزة هي النتيجة المأساوية لنظام تلتقي فيه المصالح التجارية، والسياسات القمعية للدولة، واللاإنسانية، والتحكم في السرد، والسيطرة على اللغة المستخدمة، والدعم السياسي والمالي الدولي، لتمكين تدمير حياة الفلسطينيين وأرضهم واستغلالها.